الخريف قادم ..
- أشعر بالضيق و الضجر و القلق و الخوف .
قال هذه الكلمات و هو مستلقي على حشائش حديقته المفضلة وسط المدينة المكتظة المزدحمة .
- مازلت صغيرا لتقول مثل هذا الكلام !
أجابت و هي تستقيم في جلستها و تنظر الى الغيوم المبعثرة في السماء ..
- ستة عشر عاما و مازلت صغيرا ! هذه جريمة !
- ما الذي يقلقك ؟
- اليوم . أخر أيام شهر آب . ان الصيف يودعنا و غدا يبدأ الخريف ..
حدقت في عينيه بدهشة .
- ما الذي تقصده ؟
نهض هو الاخر و ارتكز على يديه و حدجها بنظراته ثم قال :
- لقد مضت أشهر الصيف كالوميض . لم أشعر بها ! كأنني كنت في حلم منذ نهاية امتحان أخر السنة
الدراسية ، و الآن أشعر أنني أستيقظ على نداء أمي تدعوني لتناول كأس من الحليب ، أنظر الى الساعة
أجدها السادسة و النصف أرتدي ثيابي متباطئا و أنا ألعن الساعة التي استيقظت فيها ثم أتجرع الحليب
دفعة واحدة دون أن أجد له طعما و أنزل الى الشارع منتظرا حافلة المدرسة ..
ان حياتي كلها تدور ضمن هذا الروتين القاتل !
أيام الإجازة و الصيف بالنسبة اليّ كأحلام اليقظة لا تلبث أن تبدأ حتى تنتهي . لا أستمتع بها ولا أجد لها
لونا غير اللون الأصفر.. لون الخريف .
صمت قليلا ليكمل :
نعم . ان الخريف قادم في نهاية المطاف و أيام الدراسة قادمة و الساعة السادسة و النصف قادمة .
سافرت الى فرنسا في رحلة مع عائلتي و مع ذلك لم أشعر بمتعة السفر بل شعرت بالخوف !
هزت رأسها متعجبة كأنها تستفسره الا أنه نظر إليها من زاوية عينه و استلقى على العشب النديّ من جديد
و أردف :
- شعرت بالخوف لأنني كنت أعي أن لهذا النعيم نهاية ففي نهاية المطاف سوف أركب الطائرة عائدا الى
وطني .. الى الخريف ، الى الدراسة ، و الى اللون الأصفر ، كنت أعيش المستقبل لا الحاضر ، دائما كنت
شاردا واجما مسترسلا في خيالات صفراوية ..
جلست الفتاة على بطنها و هي تنظر إليه و تحرك قدميها بالتناوب .
استمر في الكلام :
- ان وجودك معي الآن أراحني كثيرا . أشكر الله لأنني عرفتك فلولاك لن أجد أذانا صاغية تستمع الى
مثل هذا الكلام السقيم ..
و استلقى مرة أخرى على الأرض و هو يتأمل الغيوم الزرقاء التي تسبح في عرض السماء و بعد قليل
غطت الأفق سحابة رمادية كئيبة فنظر الى فتاته و قال ساخرا :
ألم أقل لك . ان الخريف قادم